Friday, March 25, 2011

سعد الدين الشاذلي‏..‏ وداعا بطل التحرير


ليس من المناسب هنا أن نتطرق إلي الخلاف الذي أدي إلي عزل الفريق سعد الدين الشاذلي‏,‏ بل الأجدي أن نذكر الناس بمن هو هذا البطل الذي تواري إلي الظل منذ خروجة من الجيش بعد حرب أكتوبر‏,‏ وهو في ذروة الانتصار‏.‏

لكن الظل الذي آوي إليه الشاذلي منذ ذلك اليوم‏13‏ أكتوبر‏73‏ لم يكن ثمة فرق بينه وبين الحروب‏,‏ فقد أصر الشاذلي علي إشعالها نارا بعزيمة مقاتل عاش حياته كلها علي خط النار‏.‏هذا المقاتل العنيد العتيد مارس حياة الجندية في سن مبكرة جدا‏,‏ فلم يزد عمره عن‏17‏ عاما عندما التحق بالكلية الحربية في عام‏1939‏ وتخرج بعدها‏,‏ حيث كانت الحرب العالمية الثانية قد اندلعت فكانت أول تجربة حربية حقيقة خاضها هي اشتباكه ضمن القوات المصرية بجانب القوات البريطانية مع القوات الألمانية الغازية‏.‏
ولكن عندما صدرت الأوامر بالإنسحاب بسبب اكتساح القائد الألماني الشهير روميل للصحراء الغربية المصرية وتحطيم الجيش الثامن البريطاني‏,‏ رفض الفني الملازم أول سعد الدين الشاذلي ذي التسعة عشر عاما أن ينسحب من أرض المعركة التي هرول منها الجنرالات وكانت هذه أول بطولة لفتت إليه الأنظار‏.‏
وفي حرب تحرير فلسطين‏1948‏ كان الشاذلي ضمن كتيبة الحرس الملكي التي شاركت في الحرب ليتجرع مرارة هزيمة تآمر حقير من القوي الدولية وبعض الخونة الداخليين لإيقاع الهزيمة بجيش مصر ومن ثم الجيوش العربية بعد أن اقتربوا من النصر‏,‏ علي الرغم من أن عتاد وعدة العرب كان أقل بكثير من العصابات الصهيونية‏.‏
وعاد الشاذلي من فلسطين مثل بقية ضباط الجيش المصري وهو علي يقين أن عدوا آخر اسمه في مصر هو الذي هزمهم في فلسطين ولذا لم يكن غريبا علي المصري الأصيل بن قرية شــــبرا تنا بمركـز بســــيون أن يعود ليضع يده في يد ضباط مصر الأحرار في‏.1951‏
وبعد قيام الثورة ونجاحها كان المقاتل العنيد مشغولا ببدلته العسكرية‏,‏ ولم يشأ أن يتدخل في أي صراعات سياسية‏,‏ ففي الوقت الذي كان الصراع علي أشده بين نجيب وناصر ومجلس قيادة الثورة قي حالة من الغليان‏,‏ كان الفتي سعد ينشئ أول فرقة مظلات ويقود عملية تحديث لجيش مصر في هذا المجال‏.‏
وعندما كانت الثورة تجتاح العالم كله ضد القوي الاستثمارية خاصة في إفريقيا كان الشاذلي يمارس عشقه العسكري حتي النخاع هناك علي رأس القوة العربية الموحدة المقاتلة تحت مظلة الأمم المتحدة قي الكونغو ليدعم الجذور الإفريقية لمصر‏.‏
وربما لم يعرف كثيرون أن الشاذلي هو القائد العسكري الوحيد الذي دخل بقوته أرض إسرائيل خلال حرب‏.1967‏
حيث تحرك بقواته تجاه الشرق بينما كان الجيش ينفذ أمر الانسحاب إلي الغرب‏.‏
وكان عليه أن ينفذ الأمر بالإنسحاب في عرض أراضي سيناء كاملة بدون غطاء جوي وناور وقاتل بشراسة حتي وصل إلي الضفة الغربية لقناة السويس محتفظا ب‏90%‏ من قواته في عمل يشبه معجزات العصور القديمة‏.‏
ولم يهدأ الشاذلي في بدلته العسكرية أبدا متنقلا بين العواصم والمواقع القيادية في القوات المسلحة المصرية حتي استقر به قدره يوم‏16‏ مايو عام‏1971‏ ويختاره أنور السادات ليكون رئيسا لهيئة أركان الحرب في أحلك ظروف مصر التي تحاول النهوض بعد هزيمة مريرة ومحاولات مستميتة لإعادة بناء القوات المسلحة لتحرير الأرض المغتصبة‏.‏
وظل الشاذلي في منصبه حتي قامت الحرب في‏6‏ أكتوبر‏.‏ تلك الحرب التي انتظرها ملايين العرب‏,‏ كان الشاذلي ثالث ثلاثة علي قمة مصر للتخطيط لها وإدارتها حيث كان موقعه كرئيس لهيئة الأركان يلي رئيس الجمهورية ووزير الحربية وكانت الخطة الخالدة التي وضع لمساتها الجوهرية في الهجوم المأذن العليا والتي لم يدفعه حماسه إلي تخطيها خلال ساعات الحرب العصيبة ولم تأخذه نشوة النجاح ولم تنسه معرفته‏-‏ كعسكري‏-‏ لقدراته وإمكاناته واعترض علي بعض القرارات بشأن الحرب مع أنور السادات والمشير أحمد إسماعيل وبدون التفاصيل التي تدخلنا في أمور لا يحسمها إلا عسكريون محترفون‏,‏ خرج الشاذلي من الحرب التي طالما خطط لها ونفذها ببراعة مع بقية زملائه الأبطال بعد ظهيرة‏6‏ أكتوبر ولكنه لم يستمتع بالنصر الذي شارك في صنعه‏,‏ ليس بسبب إلا أن للسياسة قاعدة أخري للعبة‏.‏
وكل ماتوقعه من تطور مضاد في الحرب وتسلل قوات اسرائيلية إلي غرب القناة في الدفرسوار وتم رفض خطته لتصفية الوجود الإسرائيلي وأراد السادات تصفيتها سياسيا كرئيس جمهورية يتحمل أمام التاريخ ماسوف يحدث‏.‏ أما الشاذلي فقد كان مثالا للجندي القح الذي لايعرف سوي المهام المفروضة عليه وهو يناور ولكن في ميدان الحرب وليس في ميادين السياسة وهو جدير بنصب الشراك للعدو وليس للخصوم‏,‏ أما وقد دخلت الأمور في السياسة فالأولي به أن ينزع بدلته العسكرية ويخرج من المعركة وهي لم تنته بعد وهو الأمر الملتبس‏,‏ حيث نجد وربما لأول مرة في تاريخ الحروب قائدا منتصرا ينسحب من الميدان‏.‏
ومناقشة الأمر الصادر يتصادم مع أبسط القواعد العسكرية ويخل بأصول الجندية ولذلك اكتفي بالانسحاب فلا يجوز في المعركة فعل أي شيء يؤدي للفرقة بين المحاربين‏.‏
وانتقل الشاذلي إلي الميدان الدبلوماسي سفيرا في لندن من عام‏1974‏ ليمضي سنة ثم ينتقل سفيرا إلي البرتغال حتي عام‏.1978‏
وهناك كان وضعه السياسي يتيح له أن يكون له آراءوه المعارضة للتوجهات السياسية للرئيس أنور السادات ولم يتحمل كجندي ذاق وأذاق من إسرائيل الأمرين أن يكون هناك سلام وتطبيع أعلن اعتراضه علي كامب ديفد وانضم للمعكسر الرافض لسياسة الرئيس السادات‏,,‏ هنا دارت معارك اخري ولكن ليست تلك التي اعتادها كجندي وأثبتت الأحداث أن العسكري الناجح ليس بالضرورة السياسي المثالي فكان كل يوم يخسر أمام السادات الذي استطاع أن يفرض الجميع اتباع السلام حتي سلم بذلك خصوم السادات أنفسهم فيما بعد‏.‏
وعاد الشاذلي إلي مصر بعد طول غربة في عام‏1992‏ ولكن ليجد نفسه محكوما عليه بالسجن‏3‏ سنوات والحكم صادر من محكمة عسكرية‏,‏ وغير قابل للسقوط بالتقادم‏,‏ وكان الحكم يشكل وصمة عار لمن تشرب أصول الجندية وكان الفارس قد أرغمته سنوات الغربة أن يترجل فقد كان في السبعين من العمر‏,‏ ولم يعد الجسد المنهك يتحمل سوي الاستسلام لما كتبه القدر عليه ليدخل السجن نزيلا بتهمة إفشاء أسرار عسكرية‏,‏ وعندما كتب كتابه عن الحرب وإن كان قد اعترف بخطأ الكتابة دون إذن إلا أنه رفض عار أن يكون أفشي سرا عسكريا وكان مارآه هو أنه تحدث عن خلافات سياسية وليست عسكرية لكن الحكم لايعرف وجهات النظر‏,‏ وكانت المدة التي يجب اتخاذ إجراءات وقف تنفيذ الحكم أمام محاكم الأمور المستعجلة ودائرتها الاستئنافية في مجمع محاكم عابدين بالقاهرة‏,‏ لاتكفي خاصة وأن الحكم صدر بعدم اختصاص القضاء المستعجل بقضية الفريق الذي يوغل في الشيخوخة وتوغل فيه‏.‏
وحمل الراحل عبد الحليم رمضان المحامي الشهير أوراق القضية وكل مايريده أن يبرئ واحدا من صناع النصر الكبار من تهمة لم يتح له الدفاع فيها عن نفسه‏,‏ ولكن في السجن استسلم لمصيره في انتظار ماسوف تسفر عنه الأحداث وربما أملا من القائمين علي السياسة من زملاء نصر أكتوبر القديم أمرا ما يعترف له بالجميل‏,‏ لكن أمرا ما لم يحدث ومضت رحلة القضية في روتينها القاتل الذي لن ينفع معه قصر المدة إلي‏3‏ سنوات سجنا‏.‏
وخرج الفريق سعد ينفض عن نفسه غبار سنين طويلة مرت عليه منذ مولده في فبراير‏1922‏ وحتي خروجه من السجن‏.‏
وظل يداعب ذكريات الحرب والسياسة في المسامرات وصفحات الكتب والمجلات والجرائد‏.‏
وبين ظهور نادر واحتجاب غامض ظل الشاذلي بعيدا عن أي دوائر للضوء حتي مات قبل تمام التاسعة والثمانين من العمر ولكن في يوم انشغلت عنه كل دوائر الضوء ومجالات السمع‏.‏
وجاء خبر وفاته يبعث علي إبتسامة ساخرة وسخريتها كانت مريرة لأن القدر اختار له يوم الخميس العاشر من فبراير الذي كانت ليلته هي الليلة الأخيرة التي بات فيها رفيق السلاح القديم الرئيس السابق حسني مبارك وكانت أخر ليلة في حكم مصر إذ أبت الليلة التالية أن تشهد الشاذلي حيا ومبارك رئيسا في نفس الوقت‏.‏
وتكتب في الليلتين نهاية مأساوية بين ضجيج أقلق ليل العالم لرحيل مبارك رئيسا حيا وصمت مميت لرحيل الشاذلي بطلا ميتا التقيا في صناعة نصر أكتوبر‏1973‏ وتفرقا علي البعد في شتاء فبراير‏2011

مبارك حاكم الفريق الشاذلي خوفاً من شعبيته



هل كانت مجرد مفارقة‮.. ‬أن‮ ‬يرحل بطل حرب أكتوبر ومخططها محمولاً‮ ‬علي‮ ‬أعناق ألوف من محبيه في‮ ‬نفس الساعة التي‮ ‬رحل
فيها مرؤوسه في‮ ‬تلك الحرب عن سلطته للأبد محملاً‮ ‬بلعنات الساخطين عليه‮..‬

بين سعد الدين الشاذلي‮ ‬رئيس أركان القوات المسلحة خلال حرب أكتوبر والذي‮ ‬شيعته الجماهير في‮ ‬جنازة عسكرية حاشدة ومهيبة إلي‮ ‬مثواه الأخير‮ ‬يوم الجمعة الماضي،‮ ‬وبين الرئيس السابق حسني‮ ‬مبارك الذي‮ ‬شيعته الجماهير أيضاً‮ ‬في‮ ‬نفس اللحظة إلي‮ ‬خارج قصره‮ ‬غير مأسوف عليه مسافة بعيدة علي‮ ‬مشهد واحد،‮ ‬قارب فيه بين الرجلين لحظة قتال كان فيها الأول قائداً،‮ ‬بينما الثاني‮ ‬مرؤوساً،‮ ‬ثم باعد بينهما تحول الثاني‮ ‬بحكم رئاسة مصر إلي‮ ‬صاحب كل عطر النصر بضربته الجوية الأولي،‮ ‬بينما تحول الأول إلي‮ ‬سجين بتهمة إفشاء أسرار عسكرية‮..‬
تعرض الشاذلي‮ ‬لاضطهاد‮ ‬غريب من زميل الحرب اللواء طيار حسني‮ ‬مبارك بعد أن اعتلي‮ ‬رئاسة الجمهورية فحاكمه وسحب منه نجمة سيناء،‮ ‬وسجنه،‮ ‬ثم فرض عليه حصاراً‮ ‬من العزلة والتجاهل حتي‮ ‬مرضه الأخير‮.‬
شارك الشاذلي في الحرب العالمية الثانية ثم أسس في الخمسينيات من القرن الماضي أول فرقة مظلات مصرية‮ ‬،‮ ‬وشاعت شهرته خلال حرب‮ ‬1967‮ ‬لأنه لم‮ ‬ينسحب بفرقته وتوغل داخل إسرائيل ونجا بكامل معداته من خلال طرق‮ ‬غير معتادة‮.. ‬ثم اختير الشاذلي رئيسا لأركان القوات المسلحة عام‮ ‬1972‮ ‬ووضع خطة الهجوم التي عرفت بـ‮ "‬المآذن العالية‮" ‬وحققت خطته نجاحا باهرا ثم اختلف مع الرئيس السادات حول تطوير الهجوم واختلف ايضا حول تصفية الثغرة واختاره السادات سفيرا لمصر في لندن ثم البرتغال وهناك قدم الشاذلي بلاغا للنائب العام اتهم فيه السادات بتزوير التاريخ والكذب عندما حمله في كتاب البحث عن الذات مسئولية الثغرة‮ . ‬وسافر الشاذلي الي الجزائر وعاش هناك‮ ‬13‮ ‬عاما كتب خلالها مذكراته وعندما عاد عام‮ ‬1992‮ ‬تم القبض عليه وأودع السجن بعد محاكمة صورية‮،‮ ‬وعاني اضطهادا واسعا من نظام مبارك حتي الرحيل‮. ‬
في هذا الحوار الاستثنائي الذي خصت به شهدان سعد الدين كريمة بطل اكتوبر الراحل الكبري‮ "‬الوفد الأسبوعي‮" ‬نكشف كثيرا من المواقف والاسرار الخاصة بمحاكمة والدها واضطهاده،‮ ‬وتستعرض جوانب عديدة من حياة والدها خلال الحرب وبعدها،‮ ‬فضلا عن ذكريات انسانية تدل علي نبل الوطنية والانحياز للديمقراطية‮. ‬وتكشف شهدان قصة منع مذكرات والدها عن حرب اكتوبر وملاحقته خلال فترتي مبارك والسادات‮. ‬
سألتها‮: ‬كيف كان الراحل في أيامه الاخيرة ؟‮ ‬
قالت‮: ‬كان في السنوات الأخيرة‮ ‬هادئا،‮ ‬مهتما بالقراءة والاطلاع،‮ ‬ومتابعا للحياة السياسية وكان‮ ‬يستيقظ مبكرا وكنت أذهب معه إلي النادي ليمارس رياضة المشي وكانت صحته جيدة حتي عامين لأنه لم‮ ‬يكن مدخنا ولم‮ ‬يكن‮ ‬يشرب سوي الشاي‮. ‬وكان‮ ‬يحب السؤال عن أقاربه وأصدقائه حتي بدأت أمراض الشيخوخة تباغته،‮ ‬وقبل ثلاثة أسابيع أصيب بأزمة حادة نقل علي أثرها الي مستشفي المركز العالمي حتي توفي الخميس الماضي‮. ‬
‮< ‬كيف كانت علاقة الفريق الشاذلي بمؤسسات الدولة وبالرئيس السابق مبارك؟
‮-‬‭ ‬كان‮ ‬يتمتع بمحبة واحترام كبيرين من القوات المسلحة،‮ ‬وقد ظهر ذلك بشكل عظيم في جنازته التي حرصت القوات المسلحة أن تكون جنازة عسكرية وأن‮ ‬يشارك فيها قيادات عظيمة علي الرغم من الظروف التي تمر بها البلاد،‮ ‬وكان من الجميل أن ثوار التحرير الذين تجاوزوا مليوني شخص صلوا عليه،‮ ‬كما صلي عليه أكثر من مليون متظاهر في الإسكندرية والاسماعيلية والسويس وكان ذلك أبلغ‮ ‬تكريم من الشعب المصري‮. ‬أما علاقة والدي بالرئيس مبارك فكانت سيئة وكان والدي‮ ‬يندهش من اصرار مبارك علي اضطهاده ومحاكمته وسجنه وفرض حالة من العزلة عليه رغم أن معظم دول العالم تكرم أبطاله وقادة النصر بها‮. ‬والغالب أن كراهية مبارك لوالدي كانت بسبب شعبيته ومحبة الناس له وربما كان مبارك‮ ‬يتصور والدي خصما له‮. ‬وكثيرون لا‮ ‬يعلمون أن الذي حاكم والدي هو حسني مبارك وليس السادات وهو الذي سحب منه نجمة سيناء وسجنه‮. ‬
شهدان، ناهد، سامية بنات الفريق سعد الشاذلي
شهدان، ناهد، سامية بنات الفريق سعد الشاذلي

‮< ‬ما أصل قصة المحاكمة ؟‮ ‬
‮- ‬الجميع‮ ‬يعلم قصة خلاف الرئيس السادات مع الفريق سعد الشاذلي والتي تطورت من خلاف في وجهات النظر الحربية بشأن تطوير الهجوم خلال حرب اكتوبر وهو القرار السياسي الذي أصر السادات علي اتخاذه واعترض الشاذلي وأثبتت التجربة أن وجهة نظر الشاذلي هي الصحيحة ثم الخلاف الاشهر بسبب الثغرة وكيفية تصفيتها،‮ ‬حيث قرر السادات إقالته من رئاسة الأركان وتعيينه سفيراً‮ ‬في‮ ‬لندن ثم لشبونة،‮ ‬ليفاجأ ذات مرة بخطاب للرئيس السادات‮ ‬يهاجمه فيه ويدعي‮ ‬أنه كان منهاراً‮ ‬يوم الثغرة فقرر كتابة مذكراته لكشف الحقيقة‮. ‬الغريب أن السادات لم‮ ‬يحاكم والدي بسبب تلك المذكرات لكن حسني مبارك وبعد أن جاء لسدة الحكم أمر باحالته الي المحاكمة العسكرية عام‮ ‬1983‮ ‬بتهمة إفشاء اسرار عسكرية رغم أن عددا من قادة حرب اكتوبر بينهم الجمسي نشروا مذكراتهم دون أدني مشكلة،‮ ‬ليصدر ضده حكم بالسجن ثلاث سنوات بعد محاكمة تضمنت شاهدا واحدا برتبة نقيب لم‮ ‬يشارك في حرب‮ ‬1973‮ ‬أصلاً‮.‬
‮< ‬ولماذا عاد الشاذلي إلي مصر وهو‮ ‬يعلم أن هناك حكماً‮ ‬قضائياً‮ ‬بسجنه؟‮ ‬
‮-‬‭ ‬كان والدي قد سافر بعد خلافه مع السادات الي الجزائر ولاقي تكريما عظيما هناك وقد اعتذر الوالد عن قبول دعوات من زعماء دول الخليج وليبيا والعراق وكان الجزائريون‮ ‬يحبونه ويسمحون له بحرية الحركة وطرح الرأي في مختلف القضايا حتي بدأت الأزمة السياسية في الجزائر بعد انتخابات البرلمان وصراع الاسلاميين والسلطة في بداية التسعينيات،‮ ‬وقتها طلبت السلطات الجزائرية من والدي عدم لقاء شخصيات معينة داخل المجتمع الجزائري وهو ما دفع والدي الي العودة الي مصر‮ . ‬ورغم أن محاميه وقتها الاستاذ عبد الحليم رمضان طلب منه عدم العودة فاستعنا بمحام عسكري هو جلال الديب الذي نقل إلينا رسالة من دوائر مقربة من مبارك ترحب بعودة الشاذلي،‮ ‬وعندما عاد تم القبض عليه من مطار القاهرة،‮ ‬وبقينا ثلاثة أيام لا نعرف مكان احتجازه‮. ‬وفيما بعد علمنا انه مودع في مستشفي سجن الهايكستب حيث توافد عشرات الضباط لزيارته،‮ ‬الأمر الذي أغضب مبارك فأمر بإخلاء المستشفي،‮ ‬وقد تبنت عدة صحف علي رأسها الشعب والوفد والاحرار المطالبة بالافراج عن والدي لكن مبارك رفض الاستجابة وعرض علي والدي أن‮ ‬يطلب العفو وهو ما أصر علي رفضه مفضلاً‮ ‬البقاء في‮ ‬السجن‮.. ‬وقتها قرر مبارك سحب وسام نجمة سيناء الذي منحه له السادات دون تكريم أثناء خلافه الشخصي معه،‮ ‬ولجأنا للقضاء المدني الذي حكم بالافراج عن الشاذلي‮ ‬وإعادة جواز سفره المصادر،‮ ‬لكن مبارك أبي تنفيذ حكم القضاء‮.. ‬لنفاجأ في أحد الايام بخروج أبي من السجن بعد قضاء عام ونصف العام بسبب حسن السير والسلوك‮. ‬
‮< ‬هل كانت ثمة مشكلات بين الشاذلي ومبارك ؟‮ ‬
‮-‬‭ ‬لم تكن هناك أي مواقف سلبية خلال عهد الرئيس السادات‮ . ‬كل ما هنالك أن الشاذلي كان‮ ‬يتمتع بمحبة واعجاب معظم القادة العسكريين وعندما اختلف السادات والشاذلي معاً‮ ‬بعث السادات مبارك للشاذلي‮ ‬يخبره أنه تم ترقيته لرتبة فريق وتعيينه سفيرا لمصر في لندن،‮ ‬فاعتذر والدي حتي التقي مع السادات وحاول إرضاءه فقبل،‮ ‬وغير ذلك لم تكن هناك مواقف بين مبارك والشاذلي‮. ‬
‮< ‬هل كان الفريق الشاذلي‮ ‬يتوقع قيام ثورة علي نظام مبارك؟‮ ‬
‮-‬‭ ‬بهذا الشكل لا،‮ ‬ولكنه كان دائما‮ ‬يري حسني مبارك حاكما مستبدا‮ ‬ينفرد بالرأي ويتشبث بالسلطة،‮ ‬وكان كثيرا ما‮ ‬يطالب بالديمقراطية والحريات وهو ما دفع مبارك إلي فرض نوع من العزلة عليه ولم‮ ‬يكن‮ ‬يسأل عنه أبدا حتي مرضه الاخير اكتفي بخبر في الصحف‮ ‬يشير الي سؤال الرئيس مبارك عن الشاذلي في صحوة ضمير لا تتكرر‮. ‬وكان والدي‮ ‬يشعر بنكران جميل‮ ‬غريب من جانب مبارك لذا فكانت معظم انتقاداته له علنية‮ . ‬
‮< ‬ما قصة كتاب مذكرات حرب اكتوبر‮.. ‬ولماذا تم منعها في مصر ؟‮ ‬
‮- ‬القصة هي ان والدي بدأ كتابة مذكراته في‮ ‬1978‮ ‬عندما وجد السادات‮ ‬ينشر حكايات‮ ‬غير صحيحة ويحمله كثيرا من الوقائع والاخطاء،‮ ‬وقد كنت وقتها مديرة أحد صناديق الاستثمار في البورصة الانجليزية وأخذت الكتاب من والدي وذهبت به الي أحد الكتاب الكبار في الاوبرفر ووعدني بنشر الكتاب وظل‮ ‬يماطلني عدة أيام ثم أخذت الكتاب وعرضته علي ناشر آخر وأخبرني أن الوقت‮ ‬غير مناسب لنشر الكتاب،‮ ‬فأخذت الكتاب وذهبت الي أمريكا ورفض معظم الناشرين نشره وهو ما دفعني في النهاية أن أنشره بنفسي واستعنت بمحرر عسكري انجليزي اسمه جون بيري من جريدة صنداي تايمز وتم نشر الكتاب في امريكا ولاقي توزيعا جيدا،‮ ‬وقد صاحب نشر الكتاب ظهور الانترنت نهاية السبعينيات فاشتري موقع‮ "‬امازون‮" ‬حق نشر الكتاب إلكترونيا وكتبت معظم الصحف الكبري في العالم عن الكتاب وكانت من أفضلها جريدة الايكونوميست التي اطلقت علي سعد الشاذلي لقب‮ "‬الرأس المدبر لحرب أكتوبر‮" ‬وتم ترجمة الكتاب للعربية ودخل جميع الدول العربية عدا مصر والسعودية‮.. ‬وفي الحقيقة أنه لم‮ ‬يصدر حتي الآن قرار رسمي بمنع تداول الكتاب داخل مصر لكنه ممنوع من الدخول ربما بتعليمات من حسني مبارك نفسه،‮ ‬لأنني كنت بصدد الاتفاق مع ناشر مصري لطبع الكتاب قبل سنوات وبيعه إلكترونيا وفوجئت به بعد فترة‮ ‬يخبرني بأن ذلك‮ ‬غير ممكن‮. ‬
‮< ‬هل تعرضتي أو أحد أفراد عائلة الفريق الشاذلي لمضايقات أو مشكلات بسبب آراء والدك ومواقفه؟
‮-‬‭ ‬ليس بالشكل المباشر‮. ‬لقد أنجب والدي ثلاث بنات أنا أكبرهن وهناك سامية وناهد وكان‮ ‬يقول دائما إنه ليس حزينا أنه لم‮ ‬ينجب ذكورا،‮ ‬وكان‮ ‬يقول إننا أقوي من أي رجال وقد ربي فينا والدنا الشجاعة والاعتماد علي النفس والصلابة،‮ ‬لذا فقد كنا علي استعداد دائم لمواجهة أي موقف مسيء‮.. ‬والحقيقة أنني فوجئت بعد نشر كتاب والدي بأشرف مروان رحمه الله وكان صديقا وأخا عزيزا‮ ‬يقول لي وكنت وقتها في واشنطن‮: »‬لا تذهبي إلي مصر‮« ‬وبالفعل التزمت بنصيحته،‮ ‬وكانت أختاي تنتقلان بيسر بصحبة زوجيهما‮. ‬
‮< ‬كيف كانت حياة والدك في الجزائر؟
‮-‬‭ ‬قضي الفريق سعد الشاذلي‮ ‬13‮ ‬عاما بالجزائر وكان‮ ‬يتمتع بمحبة واسعة بين الجزائريين وكتب هناك اربعة كتب هي‮ »‬مذكرات حرب اكتوبر‮«‬،‮ ‬و‮»‬4‮ ‬سنوات في السلك الدبلوماسي‮«‬،‮ ‬و»الخيار الاستراتيجي‮«‬،‮ ‬و»الحملة الصليبية الثامنة‮« ‬حول حرب الخليج الثانية‮. ‬وكان منزله في العاصمة الجزائرية مزار كبار الشخصيات العربية وكبار القادة الجزائريين وقد رفض وقتها والدي عروضاً‮ ‬عديدة لصدام حسين للسفر للعراق‮. ‬
‮< ‬كيف كان سعد الدين الشاذلي الإنسان؟‮ ‬
‮-‬‭ ‬كان والدي رجلا طيب القلب،‮ ‬هادئا،‮ ‬ملتزما بشدة بقضية العدالة،‮ ‬متدينا،‮ ‬حريصا علي الاطلاع علي العالم الخارجي،‮ ‬ومهتما بالمعرفة والقراءة خاصة في السياسة والعلوم العسكرية والتاريخ‮. ‬وكان أبرز من‮ ‬يقوم بزيارته والسؤال عنه حسين الشافعي وعبد القادر حاتم واحمد حمروش‮.. ‬كما كان والدنا حريصا جدا علي تعليمنا قيم العدالة والديمقراطية والاعتماد علي النفس،‮ ‬لذا فقد كان‮ ‬يوكل لكل فرد في الاسرة مهمة محددة عندما كنا نسافر لقضاء إجازة الصيف وكان‮ ‬يهتم بوضع توقيتات لكل شيء‮. ‬وأذكر اننا كنا نقضي إجازة الصيف في الإسكندرية فطلبنا ذات مرة أن نذهب إلي بورسعيد لنلتقي بأصدقائنا فقرر التصويت علي القرار من أفراد الأسرة الخمسة وكانت الاغلبية لي ولأختي فنزل علي قرار الاغلبية وذهبنا الي بورسعيد‮.. ‬كان حريصاً‮ ‬علي أن‮ ‬يختار كل منا ما‮ ‬يريده،‮ ‬ولم‮ ‬يمانع في أن أسافر إلي أمريكا بعد دراستي للاقتصاد وأن أعيش هناك‮. ‬
ومما لا أنساه أنه دعانا‮ ‬يوما أنا وناهد وسامية وكنا صغارا ليعرض علينا امراً‮.. ‬وقال من‮ ‬يراهن ان ذلك الأمر سيحدث وراهنت ورفضت اختي أن تراهن،‮ ‬وفزت بالرهان وقال لي‮: ‬إنه فوز بطعم الهزيمة ليعلمنا ألا نقامر‮ . ‬
‮< ‬ما هي أجمل ذكرياتك مع والدك ؟‮ ‬
‮-‬‭ ‬أذكر أنني كنت أول فتاة مصرية تهبط بالباراشوت من الطائرة،‮ ‬وكان ذلك في الخمسينيات عندما أسس والدي أول فرقة مظلات في مصر،‮ ‬وقد كتبت الصحف وقتها عن تلك الفتاة الجريئة التي قفزت بالمظلات‮.. ‬كان والدي‮ ‬يعلمني أن أكون شجاعة وكثيرا ما‮ ‬يقول لأصدقائه إنه سعيد أن لديه ثلاث فتيات أشجع من كثير من الرجال‮.‬

حياة الفريق سعد الدين الشاذلي العسكرية

حظى بشهرته لأول مره في عام 1941 عندما كانت القوات المصرية و البريطانية تواجه القوات الألمانية في الصحراء العربية، خلال الحرب العالمية الثانية و عندما صدرت الأوامر للقوات المصرية و البريطانية بالانسحاب. بقى الملازم الشاذلي ليدمر المعدات المتبقية في وجه القوات الألمانية المتقدمة.
اثبت الشاذلي نفسه مرة أخرى في نكسة 1967 عندما كان يقود وحدة من القوات المصرية الخاصة المعروفة بمجموعة الشاذلي في مهمة لحراسة وسط سيناء و وسط أسوأ هزيمة شهدها الجيش المصري في العصر الحديث وإنقطاع الإتصالات مع القيادة المصرية و كنتيجه لفقدان الاتصال بين الشاذلي وبين قيادة الجيش في سيناء، فقد اتخذ الشاذلي قرارا جريئا فعبر بقواته الحدود الدوليه قبل غروب يوم 5 يونيو وتمركز بقواته داخل الاراضي الفلسطينيه المحتله بحوالي خمسة كيلومترات وبقي هناك يومين الي ان تم الاتصال بالقياده العامه المصرية التي اصدرت اليه الاوامر بالانسحاب فورا. فاستجاب لتلك الاوامر وبدأ انسحابه ليلا وقبل غروب يوم 8 يونيو في ظروف غاية في الصعوبة، بإعتباره كان يسير في أرض يسيطر العدو تمامًا عليها ، ومن دون أي دعم جوي ، وبالحدود الدنيا من المؤن، واستطاع بحرفية نادرة أن يقطع أراضي سيناء كاملة من الشرق إلى الشط الغربي لقناة السويس (حوالي 200 كم). وقد نجح في العوده بقواته ومعداته إلي الجيش المصري سالما، وتفادى النيران الإسرائيلية، وتكبد خسائر بنسبة 10% الى 20% . فكان اخر قائد مصري ينسحب بقواته من سيناء.
بعد هذه الحادثه اكتسب سمعة كبيرة فى صفوف الجيش المصري، فتم تعيينه قائدًا للقوات الخاصة والصاعقة والمظلات، وقد كانت أول واخر مرة فى التاريخ المصرى يتم فيها ضم قوات المظلات وقوات الصاعقة الى قوة موحدة هى القوات الخاصة.

تعيينه رئيساً لأركان القوات المسلحة

ملف:الفريق سعد الدين الشاذلي.jpg الفريق سعد الدين الشاذلي أثناء القائه أحدى المحاضرات
في 16 مايو 1971، وبعد يوم واحد من إطاحة الرئيس السادات بأقطاب النظام الناصري، فيما سماه بـثورة التصحيح عين الشاذلي رئيسًا للأركان بالقوات المسلحة المصرية، بإعتبار أنه لم يكن يدين بالولاء إلا لشرف الجندية ، فلم يكن محسوبًا على أي من المتصارعين على الساحة السياسية المصرية آنذاك.
بقول الفريق الشاذلي : كان هذا نتيجة ثقة الرئيس السادات به وبإمكانياته، ولأنه لم أكن الأقدم والمؤهل من الناحية الشكلية لقيادة هذا المنصب، ولكن ثقته في قدراته جعلته يستدعيه، ويتخطى حوالي أربعين لواء من اللواءات الأقدم منه في هذا المنصب.
دخل الفريق الشاذلي في خلافات مع الفريق محمد أحمد صادق وزير الحربية آن ذاك حول خطة العمليات الخاصة بتحرير سيناء، حيث كان الفريق صادق يرى أن الجيش المصري يتعين عليه ألا يقوم بأي عملية هجومية إلا إذا وصل إلى مرحلة تفوق على العدو في المعدات والكفاءة القتالية لجنوده ، عندها فقط يمكنه القيام بعملية كاسحة يحرر بها سيناء كلها.
وجد الفريق الشاذلي أن هذا الكلام لا يتماشى مع الإمكانيات الفعلية للجيش، ولذلك طالب أن يقوم بعملية هجومية في حدود إمكانياته، تقضي باسترداد من 10 إلى 12 كم في عمق سيناء.
بنى الفريق الشاذلي رأيه ذلك على أنه من المهم أن تفصل الإستراتيجية الحربية على إمكانياتك وطبقا لإمكانيات العدو. وسأل الشاذلي الفريق صادق : هل لديك القوات التي تستطيع أن تنفذ بها خطتك ؟ فقال له: لا . فقال له الشاذلي : على أي أساس إذن نضع خطة وليست لدينا الإمكانيات اللازمة لتنفيذها؟.
أقال الرئيس السادات الفريق صادق وعين المشير أحمد إسماعيل وزيراً للحربية والذي بينه وبين الفريق الشاذلي خلافات قديمة

خطة المآذن العالية

يقول الشاذلي عن الخطة التي وضعها للهجوم على إسرائيل واقتحام قناة السويس التي سماها "المآذن العالية" إن ضعف الدفاع الجوي يمنعنا من أن نقوم بعملية هجومية كبيرة .. ولكن من قال إننا نريد أن نقوم بعملية هجومية كبيرة.. ففي استطاعتنا أن نقوم بعملية محدودة ، بحيث نعبر القناة وندمر خط بارليف ونحتل من 10 إلى 12 كيلومترا شرق القناة".
وكانت فلسفة هذه الخطة تقوم على أن لإسرائيل مقتلين : المقتل الأول هو عدم قدرتها على تحمل الخسائر البشرية نظرًا لقلة عدد أفرادها. والمقتل الثاني هو إطالة مدة الحرب، فهي في كل الحروب السابقة كانت تعتمد على الحروب الخاطفة التي تنتهي خلال أربعة أسابيع أو ستة أسابيع على الأكثر؛ لأنها خلال هذه الفترة تقوم بتعبئة 18% من الشعب الإسرائيلي وهذه نسبة عالية جدًّا.
ثم إن الحالة الاقتصادية تتوقف تمامًا في إسرائيل والتعليم يتوقف والزراعة تتوقف والصناعة كذلك ؛ لأن معظم الذين يعملون في هذه المؤسسات في النهاية ضباط وعساكر في القوات المسلحة ؛ ولذلك كانت خطة الشاذلي تقوم على استغلال هاتين النقطتين.
الخطة كان لها بعدان آخران على صعيد حرمان إسرائيل من أهم مزاياها القتالية يقول عنهما الشاذلي: "عندما أعبر القناة وأحتل مسافة بعمق 10: 12 كم شرق القناة بطول الجبهة (حوالي 170 كم) سأحرم العدو من أهم ميزتين له؛ فالميزة الأولى تكمن في حرمانه من الهجوم من الأجناب؛ لأن أجناب الجيش المصري ستكون مرتكزة على البحر المتوسط في الشمال، وعلى خليج السويس في الجنوب، ولن يستطيع الهجوم من المؤخرة التي ستكون قناة السويس، فسيضطر إلى الهجوم بالمواجهة وعندها سيدفع الثمن فادحًا".
وعن الميزة الثانية قال الشاذلي: "يتمتع العدو بميزة مهمة في المعارك التصادمية، وهي الدعم الجوي السريع للعناصر المدرعة التابعة له، حيث تتيح العقيدة القتالية الغربية التي تعمل إسرائيل بمقتضاها للمستويات الصغرى من القادة بالاستعانة بالدعم الجوي، وهو ما سيفقده لأني سأكون في حماية الدفاع الجوي المصري، ومن هنا تتم عملية تحييد الطيران الإسرائيلي من المعركة.

موقفه من تطوير الهجوم

أرسلت القيادة العسكرية السورية مندوبًا للقيادة الموحدة للجبهتين التي كان يقودها المشير أحمد إسماعيل تطلب زيادة الضغط على القوات الإسرائيلية على جبهة قناة السويس لتخفيف الضغط على جبهة الجولان، فطلب الرئيس السادات من إسماعيل تطوير الهجوم شرقًا لتخفيف الضغط على سوريا، فأصدر إسماعيل أوامره بذلك على أن يتم التطوير صباح 12 أكتوبر.
عارض الفريق الشاذلي بشدة أي تطوير خارج نطاق الـ12 كيلو التي تقف القوات فيها بحماية مظلة الدفاع الجوي ، وأي تقدم خارج المظله معناه أننا نقدم قواتنا هدية للطيران الإسرائيلي.
بناء على أوامر تطوير الهجوم شرقًا هاجمت القوات المصرية في قطاع الجيش الثالث الميداني (في اتجاه السويس) بعدد 2 لواء، هما اللواء الحادي عشر (مشاة ميكانيكي) في اتجاه ممر الجدي، واللواء الثالث المدرع في اتجاه ممر "متلا".
وفي قطاع الجيش الثاني الميداني (اتجاه الإسماعيلية) هاجمت الفرقة 21 المدرعة في اتجاه منطقة "الطاسة"، وعلى المحور الشمالي لسيناء هاجم اللواء 15 مدرع في اتجاه "رمانة".
كان الهجوم غير موفق بالمرة كما توقع الشاذلي، وانتهى بفشل التطوير، مع اختلاف رئيسي، هو أن القوات المصرية خسرت 250 دبابة من قوتها الضاربة الرئيسية في ساعات معدودات من بدء التطوير للتفوق الجوي الإسرائيلي.
وبنهاية التطوير الفاشل أصبحت المبادأة في جانب القوات الإسرائيلية التي استعدت لتنفيذ خطتها المعدة من قبل والمعروفة باسم "الغزالة" للعبور غرب القناة، وحصار القوات المصرية الموجودة شرقها خاصة ان القوات المدرعه التى قامت بتطوير الهجوم شرقا هى القوات التى كانت مكلفة بحماية الضفة الغربية ومؤخرة القوات المسلحة وبعبورها القنال شرقا وتدمير معظمها فى معركة التطوير الفاشل ورفض السادات سحب ما تبقى من تلك القوات مرة اخرى الى الغرب , اصبح ظهر الجيش المصرى مكشوفا غرب القناة. فيما عرف بعد ذلك بثغرة الدفرسوار.

ثغرة الدفرسوار

ملف:الرئيس المصري السادات مع الفريق الشاذلي.jpg الفريق سعد الدين الشاذلي مع الرئيس السادات وقادة حرب أكتوبر في المركز 10
اكتشفت طائرة استطلاع أمريكية لم تستطع الدفاعات الجوية المصرية اسقاطها بسبب سرعتها التي بلغت ثلاث مرات سرعة الصوت و ارتفاعها الشاهق وجود ثغرة بين الجيش الثالث في السويس والجيش الثاني في الإسماعيلية، وقام الأمريكان بإبلاغ إسرائيل ونجح إريل شارون قائد إحدى الفرق المدرعة الإسرائيلية بالعبور إلى غرب القناة من الثغرة بين الجيشين الثاني والثالث، عند منطقة الدفرسوار القريبة من البحيرات المرّة بقوة محدودة ليلة 16 أكتوبر، وصلت إلى 6 ألوية مدرعة، و3 ألوية مشاة مع يوم 22 أكتوبر.واحتل شارون المنطقة ما بين مدينتي الإسماعيلية والسويس، ولم يتمكن من احتلال أي منهما وكبدته القوات المصرية والمقاومة الشعبية خسائر فادحة.
تم تطويق الجيش الثالث بالكامل في السويس، ووصلت القوات الإسرائيلية إلى طريق السويس القاهرة، ولكنها توقفت لصعوبة الوضع العسكرى بالنسبة لها غرب القناة خصوصا بعد فشل الجنرال شارون فى الاستيلاء على الاسماعيلية و فشل الجيش الاسرائيلى فى احتلال السويس مما وضع القوات الاسرائيلية غرب القناة فى مأزق صعب و جعلها محاصرة بين الموانع الطبيعية و الاستنزاف و القلق من الهجوم المصري المضاد الوشيك.
طالب الفريق الشاذلي بسحب عدد 4 ألوية مدرعة من الشرق إلى الغرب ؛ ليزيد من الخناق على القوات الإسرائيلية الموجودة في الغرب، والقضاء عليها نهائيًّا ، وهذا يعتبر من وجهة نظر الشاذلي تطبيق لمبدأ من مبادئ الحرب الحديثة ، وهو "المناورة بالقوات"، علمًا بأن سحب هذه الألوية لن يؤثر مطلقًا على أوضاع الفرق المشاة الخمس المتمركزة في الشرق.
لكن السادات وأحمد إسماعيل رفضا هذا الأمر بشدة، بدعوى أن الجنود المصريين لديهم عقدة نفسية من عملية الانسحاب للغرب منذ نكسة 1967، وبالتالي رفضا سحب أي قوات من الشرق للغرب، وهنا وصلت الأمور بينهما وبين الشاذلي إلى مرحلة الطلاق.

الخروج من الجيش

في 13 ديسمبر 1973 و في قمة عمله العسكري بعد حرب أكتوبر تم تسريح الفريق الشاذلي من الجيش بواسطة الرئيس أنور السادات و تعيينه سفيراً لمصر في إنجلترا ثم البرتغال وتم تجاهله في الاحتفالية التي أقامها مجلس الشعب المصري لقادة حرب أكتوبر و التي سلمهم خلالها الرئيس أنور السادات النياشين و الاوسمة كما ذكر هو بنفسه في كتابه مذكرات حرب أكتوبر.
في عام 1978 انتقد الشاذلي بشدة معاهدة كامب ديفيد و عارضها علانية مما جعل الرئيس السادات يأمر بنفيه من مصر حيث استضافته الجزائر.
في المنفى كتب الفريق الشاذلي مذكراته عن الحرب و التي اتهم فيها السادات باتخاذ قرارات خاطئة رغماً عن جميع النصائح من المحيطين أثتاء سير العمليات على الجبهة أدت إلى وأد النصر العسكري و التسبب في الثغرة و تضليل الشعب بإخفاء حقيقة الثغرة و تدمير حائط الصواريخ و حصار الجيش الثالث لمدة فاقت الثلاثة أشهر كانت تصلهم الإمدادات تحت إشراف الجيش الإسرائيلي، كما اتهم في تلك المذكرات الرئيس السادات بالتنازل عن النصر و الموافقة على سحب أغلب القوات المصرية إلى غرب القناة في مفاوضات فض الاشتباك الأولى و أنهى كتابه ببلاغ للنائب العام يتهم فيه الرئيس السادات بإساءة استعمال سلطاته وهو الكتاب الذي أدى إلى محاكمته غيابيا بتهمة إفشاء أسرار عسكرية و حكم عليه بالسجن ثلاثة سنوات مع الأشغال الشاقة. ووضعت أملاكه تحت الحراسة, كما تم حرمانه من التمثيل القانونى وتجريده من حقوقه السياسية .